السبت، 3 ديسمبر 2011

من ذكريات الشتاء الأليمة

.. وكأننا فقدنا الإحساس بالبردعندما انهمرت اول قطرات الغيث , فها نحن نتراكض في ( حارتنا ) ونغني ابتهاجا بالمطر : يارب تشتي يارب خلي العجايز تنضب ! ولم تكن كلمات الأغنية قد أتت من فراغ , ذلك أن عجائز حارتنا كن يتخذن من عتبات البيوت ( مضافات ) وترابط احداهن على عتبة الدار من طلوع الشمس حتى المغيب فلا يتسنى لنا كأطفال ممارسة أخطائنا بأريحية , فالعيون تراقبنا من كل العتبات المقدسة .. وأخيرا نزل المطر وحان موعد ( السبات الشتوي ) للعجائز , فتلملم كل منهن حوائجها وتدخل بيتها على عجل بحثا عن ( محقان الكاز ) لتجهيز المدفأة , ويبقى الأطفال في الشارع صارخين مهللين فرحا بالمطر الذي اسقط نظام العتبات , وتحتجب شمس ذلك اليوم باكرا على غير عادتها فيأوي كل طفل الى بيته ليقف بين يدي امه في ساعة الحساب , يأخذ كل طفل نصيبه من ( البرد ) والتوبيخ ثم تجتمع الأسرة حول المدفأة لتناول طعام العشاء وبعض الشاي , ثم يتسلل كل فرد الى فراشه ..

عندما ينتصف الليل وتهدأ الأجواء أشعر بوخزات البرد الذي (أكلته ) خلال النهار , فتبدأ العملية على شكل ( حلم ) فأرى في منامي ارض ناعمه جدا ( تتكرمش ) فجأة وتتخبط الأحلام فأشعر بالدوران و ( حموضة المعدة ) واحس بأن الغرفة تدور بمن فيها فأبدأ بالأنين المتقطع : يما ... يماا ... يمااااااااااااا , فتحس أمي بقلبها قبل أذنها والقلب يشعر قبل الأذن أحيانا .. فما هي الا لحظات لأجدها تقف فوق رأسي تتحسس جبهتي لتعرف مقدار ارتفاع الحرارة ( من غير ميزان ) ,, ثم تحملني من تحت ذراعي - كالريشة تحملها النسمات - وقد عرفت امي مسبقا انني على وشك ( الاستفراغ ) فأحضرت معها لوازم التفريغ والمسح .. وما هي الا لحظات حتى تنتهي المعانة , فتعطيني امي ( بلوزة ) اضافية وتلفني جيدا وتضيف عليى غطائي واحدا آخر ثم تنعم عليّ ببعض النصائح بأن لا اركض في الشارع طول النهار ..

في الصباح أشعر بالدفئ والتعافي , وأرغب بالركض تحت المطر , لكن خجلي من معاناة امي تلك الليلة يجذبني نحو المدفأة .. فاللهم ارحم والدينا كما ربونا صغارا ..